السنة القبطية، روافد من أصولنا الفرعونية


يحتفل أقباط مصر يوم 11 سبتمبر من كل عام بـ "رأس السنة القبطية"، السنة المستندة في تقويمها على التقويم المصري القديم

في عام 238 ق.م. أدخل بطليموس الثالثتعديلات على التقويم الفرعوني الذي كان مستخدماً إلى عصره بسبب زحفه كل عام (مرسوم كانوب)
Decree of Canopus
 واختلافه مع التقويم اليولياني
Julian calendar

تضمن ذلك التعديل إضافة يوم "نسئ" كل أربع سنوات. إلا أن الكهنة المصريين رفضوا ذلك التعديل، ولم تُطبَّق الفكرة فعلياً إلا عام 25 ق.م. بتدخل رسمي من الإمبراطور الروماني أغسطس، ليتسق التقويم المصري مع اليولياني

لأجل التمييز بين التقويم المصري القديم قبل التعديل (والذي ظل بعض الفلكيين يستخدمونه حتى العصور الوسطى) وبينه بعد التعديل، سُمِّيَ التقويم المصري المُعَدَّل بالتقويم القبطي. يتزامن التقويم القبطي مع التقويم الأثيوبي، وإن اختلفت أسماء الشهور

التقويم القبطي مقسم لـ 13 شهراً، يتكون 12 منهم من 30 يوم، والشهر الأخير "النسئ" مكون من 5 أيام، إلا في السنوات الكبيسة حيث يتكون النسئ من 6 أيام. و "النسئ" هو إضافة أيام كشهر استثنائي قصير في آخر السنة القمرية كي تحفظ اتساقها مع السنة الشمسية

يُذكَر أن فكرة شهر "النسئ" لم تكن مقصورة على المصريين وحسب، بل عرفتها العديد من الحضارات القديمة، من ضمنها عرب ما قبل الإسلام. وقد ذُكِرَت تلك الإضافة في القرآن

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"- التوبة 37

فنسأ النسء: تأخير في الوقت، ومنه: نسئت المرأة: إذا تأخر وقت حيضها، فرجى حملها، وهي نسوء، يقال: نسأ الله في أجلك، ونسأ الله أجلك. والنسيئة: بيع الشيء بالتأخير، ومنها النسيء الذي كانت العرب تفعله، وهو تأخير بعض الأشهر الحرم إلى شهر آخر


تُسَمَّى رأس السنة القبطية "عيد النيروز"،وهي تسمية خاطئة ترجع لأيام الغزو العربي لمصر. فقد كان العيد في اللغة القبطية آنذاك يُسَمّى "ني يارؤو" أي "عيد الأنهار"، لكن لجهل الغزاة العرب باللغة المصرية\القبطية، اختلط عليهم الاسم باسم عيد رأس السنة الفارسية "ناوروز" أو "نيروز"، واستقر ذلك الخطأ من حينها

توافق رأس السنة القبطية 11 سبتمبر من كل عام، ما عدا السنوات الكبيسة حيث يقع يوم 12. أما سنوات التقويم القبطي، فتبدأ عام 284م، بداية حكم الإمبراطور الروماني دقلديانوس؛ كان دقلديانوس "محافظاً" جداً وشديد التعصب لعقيدة الرومان القديمة، فرأى أن المسيحيين (وغيرهم من أقليات دينية لا تعبد آلهة الرومان) كانوا سبب غضب الآلهة على الامبراطورية ومن ثم تردي الأوضاع في عهده، ففرض عبادتهم وتشدد جداً في عقاب مَن كفر بهم، وكان ذلك بداية أشد عصور اضطهاد المسيحية. لذا يُسَمِّي مسيحيو مصر رأس السنة القبطية "عيد الشهداء"


تحتفظ السنة القبطية بنفس تقسيمة السنةالفرعونية إلى ثلاثة مواسم زراعية، والتي تُذكَر حتى الآن في صلوات الكنيسةالقبطية؛ فمن 11 طوبه إلى 11 بؤونه تُقال طِلبة "الأهوية والثمار" ومن 10 بابه إلى  10 طوبه تقال "طِلبة الزروع" ومن 12 بؤونه إلى 9 بابه تقال "طِلبة المياه"، حيث يصلون في كل موسم أن يبارك الله الفيضان أو الحصاد أو الحرث والزرع. ولا يزال هذا التقويم قيد الاستخدام في جميع أنحاء مصر من قبل المزارعين لتتبع المواسم الزراعية المختلفة، بل وفي بعض موروثاتنا مثلما سنوضح لاحقاً

أسامي شهور السنة القبطية محتفظة حتى الآن بجذورها الفرعونية، كما اتصلت بأمثال شعبية تحفظ لكل شهر سمته الموسمية لوصف الطبيعة فيه واتصالها بظروف الزراعة؛ وهي كالآتي


- توت (من "تحوت" إله الحكمة الفرعوني؛ 1 توت كان بداية موسم الفيضان قديماً، قبل بناء السد العالي)؛ ويقال "توت ريّ ولا تفوت"

- بابه (من "الذي لـ آبة"، الإسم الفرعوني لمدينة الكرنك)؛ ويقال "بابه خش واقفل الدرابة" أي اتقاء للبرد

- هاتور (من "حتحور"  ربة الجمال والحب)؛ ويقال " يقول للبرد طور طور (قُمْ) أي بداية البرد؛ أو "هاتور أبو الدهب منتور" أي القمح؛ أو "إن فاتك هاتور اصبر لما السنة تدور"

- كيهك (من "كا – حر – كا" أي نَفْس مع نَفْس، من ألقاب الرب الفرعوني أبيس)؛ ويقال "صُبحك مساك شيل يدك من غداك وحطها في عشاك" أي أقصر أيام السنة

- طوبه (من "تاعبت"، أحد الاعياد)؛ ويقال "يخلي الشابة كركوبة" أي من البرد الشديد

- أمشير (من "ميشير"، رب الرياح)؛ ويقال "يفصص الجسم نسير نسير" أي من شدة الهواء؛ أو "أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير"

- برمهات (من "با – إن – امنحتب" نسبة إلى الفرعون امنحتب الأول والذي ألهه المصريون القدماء)؛ ويقال "روح الغيط وهات" أي موعد نضج المحاصيل الشتوية

- بَرَموده (من "رينينوتت" ربة الحصاد)؛ ويقال "برمودة دق العامودة"؛ أي دق سنابل القمح بعد نضجها

- بشنس (من "خونسو" رب القمر)؛ ويقال"بشنس يكنس الغيط كنس"

- بؤونة (من عيد "انت" أي عيد الوادي وهو العيد الذي ينتقل فيه آمون من شرق النيل إلى غربه)؛ ويقال "تنشف المياه من الماعونة" أي من شدة الحر؛ أو "بؤونه نقل وتخزين المونة" أي المؤنة للاحتقاظ بها بقية العام

- أبيب (لم اتمكن من التوصل لمعلومة دقيقة بخصوص أصل الإسم بخلاف "أبيبي"، ربة مصرية)؛ ويقال "أبيب فيه العنب يطيب"

- مِسرَى (من "مس – إن – رع"، أي ميلاد الشمس)؛ ويقال "مسرى تجرى فيه كل ترعة عسرة"؛ أي ازدياد مياه القيضان فتغمر الارض

- النسئ (بالعربية)، والذي كان اسمه بالقبطية "بي كوجي إينافوت" أي الشهر الصغير؛ ويقال "تزرع أي شيئ" حتى لو في غير أوانه وينمو

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More