سبب نجاح (الديمقراطية الليبرالية) الباهر حتى الأن

يعيش حاليا على كوكب الأرض أكثر من 7 مليار شخص (7 آلاف مليون)، دي حقيقة الكل عارفها، لو تصورنا أنك شخص عنده فكرة عجيبة جدا و غير منطقية و تعد قمة في الهراء و الهذيان و الغباء.
كم نسبة الأشخاص اللي أنت محتاج تقنعهم بالفكرة دي علشان توصل لمليون تابع مؤمن بنفس الفكرة؟

أنت ببساطة مش محتاج غير أنك تقنع 1 من كل 7000، بينما 6999 من كل 7000 يظلوا شايفينك مجنون، مع ملاحظة أن أساسا واحد من كل 3 أشخاص على كوكب الأرض بيعاني من اضطراب نفسي ما mental disorder في أحد فترات حياته حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.

طبعا أنت شايف أن دي نسبة ضئيلة جدا و بالتالي مهمة سهل تحقيقها، بس فعليا لو قدرت تعملها هتبقى أسست cult جديد في العالم ليه 1000000 تابع و متمحور حول فكرتك العجائبية الغير منطقية، لكن بالمقارنة بالفلسفات و الأيديولوجيات و الأديان الأكثر شعبية اللي ليها أتباع بمئات الملايين، المليون تابع بتوعك بلا أي تأثير يذكر.

لو واحد دلوقتي عايش عنده 80 سنة، هيفتكر وقت كان بيتم النظر فيه ل(الديموقراطية الليبرالية) كصدفة عابرة في التاريخ رغم نجاحها في (إنجلترا، أميركا، فرنسا) على الترتيب، بينما أغلبية شعوب العالم منبهرة و خاضعة لتألق الأيديولوجيات الشمولية العلمانية سواء على اليمين (ألمانيا النازية، إيطاليا الفاشية، اليابان العسكرتارية) أو اليسار (الإتحاد السوفيتي، الصين الشعبية) أو أنظمة حكم تقليدية استبدادية تحكم باسم الدين و القبيلة و الملكية و الخلافة (العالم الإسلامي).

لكن تغيرت موازين القوى تماما، و حاليا أغلب شعوب العالم تعيش في ظل أنظمة ديموقراطية ليبرالية علمانية، الديموقراطية الليبرالية بالطبع لم تحل كل تناقضات المجتمعات البشرية (لأن الوجود الإنساني إشكالي بطبعه)، و ما زالت تعج بآلاف النقاشات المحتدمة عن (أيهما أولى، خلق الثروة أم توزيعها؟) (هل هناك مساواة في الفرص حقا أم أن هناك نخب متحكمة و لكن تحت غطاء ديمقراطية إجرائية)...الخ.

سبب نجاح (الديمقراطية الليبرالية) الباهر حتى الأن ليس أنها حلت تناقضات المجتمع البشري، و لكن لأنها ببساطة شديدة اعترفت بها (حريات شخصية و عقائدية، حريات اقتصادية، حريات سياسية)، و سمحت لأي شخص حتى لو كان مجنون تماما من وجهة نظر الأغلبية بالتعبير عن وجهة نظره، أنها كانت مرنة بالقدر الكافي الذي يسمح بحدوث تغييرات من داخل النظام نفسه.
ك
أنها اعترفت أخيرا بأن الترغيب و الإغراء أجدى من الترهيب و الخوف في خلق مجتمع منتج و فعال، أن فشل أنبياء العلمانية الشمولية في العصور الحديثة (ماو تسي تونج) و (ستالين) و (هتلر) و (موسوليني)، و قبلهم باباوات روما و خلفاء المسلمين و ملوك و سلاطين و قياصرة و أباطرة العصور الوسطى و القديمة كان ذريعا، فعلى الرغم من مئات الملايين الذين قتلوهم و عذبوهم و أرغموهم على عبادتهم، انهارت نماذجهم الشمولية في نهاية المطاف، و لم تستطع المنافسة.

سيب الناس تختار ما تريد بدون تحويلهم إلى أبطال أخيار أو أوغاد أشرار بل مجرد أناس عاديين عندهم وجهة نظر مختلفة، و هتلاقي جزء كبير من مشكلات أي مجتمع تبخرت.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More