مشكلتي مع الحب - واستدراك أول


الحق يقال أنني - رغم تورطي في الحب الآن، إذ اسقطتني في شراكه فينوس متجسدة في زماننا - لا زلت مقتنعاً أن الحب جوهرياً هو الشكل البشري المُطَوَّر لغريزة التناسل واستمرار النوع عند الحيوانات كافة.ولكن، كما أن الإنسان بجبروت عقله، طوّر كافة التصرفات الغريزية، فجعل من دفن الفيلة لصرعى وموتى قطيعها بإلقاء الأغصان وأفرع الشجر عليها أهراماً وتاج محل، وجعل من التهام الصيد وما يُلتَقَط من أثمار فناً يُدَرَّس في معاهد الطهي العالمية يحج إليها الدارسون، هكذاً جعل من غريزة بقائه سراً وفلسفةً وفناً.


اختزلت سابقاً جوهر الحب في بُعدِه الفسيولوجي المادي، مع بُعد نفسي سيكولوجي بحت، ولا أجد عذراً لنفسي إلا أن البُعد الراقي المُعقَّد الإنساني الذي تجلى بفعل العقل البشري، البُعد الشاعري الروحي الفلسفي، هو بُعدٌ يُختَبَر ويُعاش فقط، لا يمكن شرحه بالورقة والقلم وقياس الهورمونات في الدم؛ ذلك البُعد يجعل من الحب كياناً نسبياً، ولا كينونة له في ذاته، بل يتواجد للمحبين وهم معاً وبين أحضان بعضهما البعض، لكن لمن لا يتعاطى حباً؟ الحب خرف ووهم.


وكما قلت قبلاً أن الحب حالة ذهنية موضوعية، استدرك فأضيف أنه اختيار: يختار المحب اختياراً واعياً أن يكرس طاقاته العاطفية لمحبوبة بعينها، مغمضاً عينيه بإرادته عن غيرها. نعم، هناك مَن هن أجمل منها، هنالك مَن هن أريّح لي، نعم، هناك مَن هن أظرف وأذكى وأرق وأحن منها، لكنني قد توقفت حيناً عن البحث عن سواها.


وسمعتم أني قلت لكم قبلاً "الحب حالة ضعف وعوز يضع الإنسان نفسه فيها طواعية"، والآن أقول لكم: حسنٌ أن يضع المرء عن كاهله بين الفينة والفينة ثقل حمل الاستغناء والقوة، مستنداً على لين امرأة يعشقها. فقط لا تنسَ كيف تعيد ذلك الحمل إلى كاهلك وتبعث نفسك ثانية من ضعفها الاختياري يوم يلزم الأمر، وهو يوم آتٍ لا محالة.


الحب إذن حقيقة نسبية، لا كيان له إلا لمن يختبره؛ مثل النكهة اللذيذة أو الرائحة الزكية: يدركها فقط مَن تداعب حواسه، لكن يستحيل عليه نقل خبرتها لمن لم يتعرض لها.



والبقية تأتي...

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More