الشريفة والزاني

لشريفة والزاني

"الشريفة"

هي بادَلَتْ رجلاً الحبَ.

أعطته من ذهنها مساحةً، ومن وقتها اهتماماً، ومن طاقتها رعاية ومجهوداً، ومن روحها حناناً وعطفاً، ومن قلبها عاطفة ورقة، ومن جسدها متعةً ودفئاً.
أعطُتْ له ذاتَها. فلم يكن هو يأخذ، بل يقبل. وشتان بين مَن يقبل وبين مَن يأخذ.
كانت حلالاً له وكان حلالاً لها، فقد أذنَت له بدخول حياتها، وطلبَ منها التواجد في حياته.

عاشرها بالمعروف، وكانت جنتُها من سروره ونارُها ضيقَه.

ولأن الله محبة، فأينما وُجِدَت المحبة وُجِدَ الله، وحيثما كان اللهُ كان كلُ شئٍ حَسَنٍ. وما جمعه الله لا يفرقه انسان.

فكان ما جمعهما نقياً، جميلاً، يُحتَذى به. وكان أقوى وأسمى مِن عقود وأختام وتوثيق. كان ثباته نابعاً لا مِن خشية مساءلة أمام محكمة بموجب أوراق مختومة مُوَّقَّعة، بل مِن التزام ضميري متجدد، أرقى من أوراق ودفاتر.

"الزاني"

ارتأى أهلها أن مصيرها أفضل مع رجل آخر.

ورآها ذلك الآخرُ فأعجبته، وأرادها لنفسه.

أعلنت له أنها لا تريده. صارحته بأنها لن تعطيه شيئاً، وأن أياً ما سيصل إليه منها سيكون انتزاعاً بيده لا هبةً من يدها.

لم يبالِ ذلك الآخرُ.

اشترى ذلك الآخرُ لنفسه من أهلها بوظيفته في البلد الخليجي وشقته المفروشة ومرتبه المغري حقوقَ الانتفاع بها، طاهيةً في المطبخ، وتسليةً في حجرة المعيشة، وحِليةً في المناسبات الاجتماعية، وجسداً في السرير. تمت الصفقة، وسُجِّلَت في الشهر العقاري تحت عنوان "عقد زواج شرعي"، أو وفق التسمية الأصدق "عقد نكاح شرعي."

كان ذلك الآخرُ يقتلع لنفسه القبلات من على شفتيها، ويفرض جسده الثقيل على حضنها، ويضطرها أن تتحمل شقاء معانقته، وينتزع من جسدها المحتوي روحها المغلوبة على أمرها متعة لغريزته.

فشروط العقد "الشرعي" المُبرم تتيح له كل ذا.

لم توجد المحبة، فلم يوجد الله، وحيثما لم يوجد الله، كان الحرام والشر والظلام.

وكانت هي تلجأ من حين لآخر كلما واتتها الفرصة لحِصنِ حضن مَن أحبته وأحبها؛ معه كانت واحتها مِن جدب صحراء مَن اشترى حقوق الانتفاع بها. فكانت ترتوي بقبلات مَن أحبَّها وأحبَّته، وتُنَقي حضنها مِن آثار مُقتَحِمِه بضَمِّ محبوبها ومُحِبِّها إلى صدرها، وتضمد نفسيتها بعناقه، وترشف من كأس المتعة ما يعصره تفاعل جسديهما.

فكانت هي شريفةً، لأنها أبت أن تبيع مساحةً من ذهنها ومن وقتها ومن طاقتها ومن روحها ومن قلبها ومن جسدها مقابل شقة مفروشة أو أمان مادي. رغم كل المغريات والضغوط، ظلت على وفائها الداخلي لمَن أحبَّته وأحبَّها.

ولأن الآخرَ استباح لنفسه مَن لم تُحِلْ له نفسَها، كان زانياً.

فهي شريفة بوفائها، وهو زانٍ رغم عَقْدِه.

------------
(مستوحاة من أشخاص حقيقيين، صديقة عزيزة عليّ زَوَّجَها أهلُها لرجل لا تحب متجاهلين رفضها له وحبَها لآخر؛ استفزتني الواقعة المأساوية للكتابة رغم انقطاعي عن الكتابة مؤقتاً هذه الأيام وحتى شهر يناير بسبب ضغط المذاكرة)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More