التشبث بوجود معنى و غاية و نظام للعالم المعقد و العشوائي و المربك و الغير مفهوم اللي عايشين فيه

أكتر نوعية أفلام بأحب أتفرج عليها هي اللي بيبقى فيها صراع البطل مع نفسه: أحلامه و كوابيسه، طموحاته و مخاوفه، أفكاره العقلانية و اضطراباته النفسية.
علشان كده قائمتي لأفضل ما شاهدت بتحتل فيها المراتب الأولى أفلام من عينة Fight Club, Memento, Pi.

و لغاية دلوقتي شايف أن الجملة العبقرية اللي بيتختم بيها فيلم Memento بتلخص مشكلة الوجود الإنساني أو الإشكالية اللي هتواجه أي حياة عاقلة واعية عموما سواء على كوكب الأرض أو أي كوكب تاني، و سواء حياة مبنية على الكربون أو السيليكون.
بتكتشف في نهاية الفيلم أن البطل خلق لنفسه واقع مزيف و عالم وهمي علشان يعرف يتعايش مع نفسه و بيبرر ده لنفسه بأنه:
" لازم أؤمن بوجود عالم خارجي مستقل عن عقلي الخاص، لازم أؤمن أن أفعالي لسه ليها معنى حتى لو مش قادر أفتكرهم، لازم أؤمن أني لما أغمض عيني، العالم هيخليه موجود".

أي كتاب فلسفة اتكتب من أيام (سقراط) لغاية دلوقتي بيتمحور حول الفكرة دي بوجهات نظر متعددة.
و أي دفاع عن أي فكر ديني هينتهي لنفس النقطة برضه، الناس باختصار مش بتختار الإيمان بإله معين أو دين معين علشان الدلائل المنطقية و التجريبية لكن علشان غرائز أقوى من أي حجة عقلانية مضادة، التشبث بوجود معنى و غاية و نظام للعالم المعقد و العشوائي و المربك و الغير مفهوم اللي عايشين فيه.

حتى لما تيجي تبص على المنهج العلمي نفسه، هتلاقي أنه مبني على افتراضات فلسفية لا يمكن إثباتها، بل يجب القبول بها كمسلمات:
1- العالم قابل للفهم و الاستيعاب.
2- البشر قادرون على فهم العالم.

نجاح المنهج العلمي الباهر في العلوم الطبيعية طبعا بيدي شواهد و قرائن لاحصر لها على أنه بيرينا نموذج تقريبي للواقع على الأقل، يكفي التقدم التقني المعتمد على نظرياتنا العلمية اللي يبدو أن الكون بيوافق بشدة على معادلاتها الرياضياتية و آلياتها السببية (ميكانيكا الكم، النسبية العامة...الخ) كبرهان واضح لا جدال فيه.
لكن ده مش هينفي حقيقة أن في افتراضات فلسفية معينة لابد من القبول بها حتى يتم تشغيل الآلة، و إلا هنعوم كلنا في بحر فلسفة الأنانة Solipsism حيث لا يوجد شىء أساسا سوى عقلك فقط لاغير، بينما العالم الخارجي بأكوانه المتوازية و مجراته و نجومه و كواكبه و أنواعه البيولوجية و دوله و حضاراته و شعوبه و أيديولوجياته و فنونه و منتجاته..الخ مجرد أفكار تسبح داخله.

لكن على الناحية التانية العلوم الاجتماعية للأسف بتعمق في الواحد النظرة دي، أي واحد متمكن من أداوت اللغة هيوصل لنقطة أنه ممكن يقدم قضية متسقة منطقيا و حجج عقلانية قوية مستمدة من بعض المشاهدات التجريبية بتدافع عن أو بتهاجم الشىء و نقيضه، الرأسمالية أو الاشتراكية، المحافظة أو الليبرالية، أو السلطوية أو الفوضوية...الخ، و بنفس القوة.

و يمكن علشان كده في لحظات الكركبة، لما تبقى حاسس أنك مش فاهم حاجة و لا عارف حاجة، و أن العالم أكثر تعقيدا بمراحل مما كنت تتصور.
بيجي في بالك أن صراعك الحقيقي مش ضد المجتمع أو الدولة أو البشرية أو حتى الكون بأسره، لقد قابلت العدو و اتضح أنه أنا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More