إن أردتَ مفراً من الملوِّثات التي تلطّخ حياتنا كمصريين

إن أردتَ مفراً من الملوِّثات التي تلطّخ حياتنا كمصريين في أيامنا هذه، عليكَ بقارب شراعي في النيل تهرب به بعيداً عن الأرض التي صيَّرها قومٌ مداساً تحت أقدامهم بعد أن كانت منصة ترفعهم وتعليهم بين الخلق، ومنبراً تقسم بقدسيته الأمم.

عليكَ بمركب شراعي تلوذ به لساعت قليلات، فيكون لك فُلكَ نجاة يجيرك ولو لحين من فيضان الغم الذي أسيل علينا من فظائع قوم عصوا سُنّة الإنسانية وتطورها، قوم يحاولون ليَّ درب التاريخ ليعود إلى وراء.

اهرب هروياً مؤقتاً إلى النيل.

فيه سترى النقاء، فالنيل لا يزال جارياً عذباً، لم يُبتَلَ بعد بالركود الذي بدأ يتسلل إلى حالنا نحن المصريين. أدخلَ قومٌ العفن إلى نسيج وجودنا كمصريين، ولا زلنا نناهضه ونناهضهم، وإن كان الإعياء قد بدأ يلف سلاسله علينا. أما النيل، فلا زال طاهراً، يحمل إلينا أمواجاً تِمْراحةً تتراقص وتتمايل وربما تنتفض حماساً ونشاطاً، يُذَكِّرنا: أنا الأبقى، أنا أبقى منهم كلهم، لا تنسوا أنكم مني وبي، أنا مصر لا هؤلاء المؤذيون، أنا شاهد صامت على مَن سبقوهم وعليهم وعلى الآتين بعدهم. وأنتم تناهضونهم، اجعلوا أنظاركم عليّ فأكون وحياً لكم، لا عليهم فيكونون غمّا لكم!

في النيل، وأنت تدلي قدميك في مياهه الباردة، ستدرك أن الطبيعة لا يوقفها مخلوق. ستحس التيار يحرك ساقيك، ولا تشكل له أنت إلا اضطراباً صغيراً، سرعان ما تدور حوله ضفائر المياه فتتجاوزه. نيلُنا يُنبهنا أن التاريخ، مثله، لا يوقفه أحد ولا يغير دربَه. الإنسانية ماضية إلى الامام، ولن يكون أسرى القديم إلا عائقاً سخيفاً تافهاً يُشَكِّل تموجاً ضئيلاً حوله، ثم سرعان ما تجرفه الأيام معها في مسار البشرية الطبيعي: إلى الأمام.

حياتنا فيها من الصعاب والمر الكثير، لذا نستحق عطلة من وقت لآخر.
فإن أردتَ مفراً بديعاً لن يكلّفك إلا مجهود اتخاذ القرار، عليكَ بقارب شراعي في النيل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More