اللي انتَ فيه غلط


أكتر وَسَط لقيت فيه حتى الآن نميمة ونقل كلام وتلسين، هو "الوَسَط الكَنَسي".

أي وَسَط فيه مجموعة بشر بيتقابلوا بشكل متكرر فيه كده، بس الشكل المُكَثَّف ده مالقيتوش غير في "الوَسَط الكَنَسي".

أي حد "اتربى في الكنيسة" will relate للكلمتين دول.

"شعب" كنيسة ما (الناس اللي متعودين يروحوا كنيسة منطقة ما) بيبقوا عارفين بعض ع الأقل بالإسم، وغالباً بيبقوا عِشرة عُمر، متربيين مع بعض فيها من الطفولة في "مدارس الأحد" لحد "اجتماعات الشباب الجامعي والخريجين"، وربما اجتماعات المتزوجين والأسرة.

الناس دي أغلبيتها بقى بتتغذى ع الرغي.

مين بيقف مع مين...
مين شفناها فين مع مين...
مين بيعمل إيه فين...
بيقولوا فلان راح...
سمعت إن علان جِه...
هو صحيح ترتان...؟
عرفت إن فلانة...؟

وكل واحد بيضيف بصمته ع الحكاية لما تعدّي عليه.

فعلى ما الحكاية توصل لصاحبها وتتحكي له، بيُفاجأ بحاجات قيل إنها حصلت له وحاجات قيل إنه عملها أول مرة يسمع عنها بتبقى من خلال الحكاية اللي بتتحكي له عنه!

وكل النميمة والتلسين والرغي بييجي تحت عنوان فضفاض أوي:

"المحبة"

"ده عشان بنحبه"
"عايزين مصلحتها"
"إحنا خايفين عليهم"
"إحنا هنا في الكنيسة عيلة واحدة"

(جدير بالذكر إن في أوساط الأقباط الأرثوذوكس بالذات، كتير من التطفل والفضول والحشرية بييجوا تحت ستار المحبة وإحنا أسرة واحدة. ما علينا.)

طبعاً أنا شخصياً اتلسعت من حب الناس دي للرَط مرات ومرات، خصوصاً إني مادة خصبة: أبويا قسيس الكنيسة، وانا من صغري مختلف عن الصورة النمطية المتوقَّعة من أي شخص قبطي أرثوذوكسي عموماً وابن قسيس خصوصاً.

ورغم إني اعتزلت الأوساط الكنسية دي من كام سنة ولكذا سبب، إلا إن تلسينهم لسة بيطولني لحد دلوقتي.

فقلت أدوّر، الناس دي بتعمل كده ليه؟ نفسياتهم وعقلياتهم بتحركهم للثرثرة دي ليه؟ أشوف"سيكولوجية الثرثرة"، أو الكلمة الأدق بالإنجليزي، gossip، اللي بتترجم حرفياً: "بَقْبَقَة ، ثَرثَرَة، قِيل وقال".

البقبقة دي ليها 3 وظايف أساسية في أي مجتمع، فبالأخص هاتكون مُكَثَّفة جداً في مجتمع منغلق منعزل في جيتو زيّ مجتمع الكنيسة. الـ 3 وظايف دي باختصار:

#1. Networking تدعيم شبكة العلاقات؛ في أي مجتمع، خصوصاً كل ما كبر، ممكن ماتعرفش الشخص المَعني معرفة مباشرة، بس تعرف عنه، وده بيساهم في تقوية شبكة العلاقات في الكان المجتمعي المَعني.

#2. Influence التأثير: تسويق الذات بتقديمها كعارفة لمعلومات إضافية.

#3. Alliances التحالفات: اكتساب ثقة اللي بتحكي له "سر" فيك، فتعملوا "تحالف" صغير على اللي بتتكلموا عنه.

ومانساش أبداً العبارة بتاعت إلينور روزفلت: "تناقش العقولُ العظيمةُ الأفكارَ؛ تناقش العقولُ المتوسطةُ الأحداثَ؛ تناقش العقولُ الصغيرةُ الأشخاصَ."

يعني اللي دماغه متكلِّفة هايبقى مشغول بأفكار وتطبيقاتها واستنباطاتها وإلخ، الدماغ العادية هاتنشغل بأحداث وحصل إيه فين وليه وإزاي، والدماغ المجوفة مش هاتملاها غير سيرة الناس.

حتى لاحظها كده في قعدات الناس حواليك في أي وَسَط... شوف طبيعة الناس اللي في وقت فراغهم يرغوا مين راح فين ومين جاب إيه ومين نامت مع مين ومين قالت إيه على مين وإلخ، وشوف طبيعة الناس اللي في قعدتهم ينظّروا ولا يرغوا في رواية إيه ولا كتاب إيه ولا شاعر مين... وهكذا.

مجتمع منغلق زيّ بتاع الكنايس قايم على إحساس قوي بإن الكنيسة جزيرة أعضائها في وسط عالم شرير بيكرههم ويتمنى يئذيهم. فتلاقي في نفسيات كتير من "أهل الجزيرة" دي خليط عجيب من الإحساس بأنهم ضحايا المجتمع الخارجي الشرير، وفي نفس الوقت الأفضلية لأنهم "الفرقة الناجية" من عالم وُضِعَ في الشرير.

وأخيراً، الدين بيدّي أتباعه إحساس بتملّك الحقيقة المطلقة، ومن ثَمَّ جليّطة وبجاحة إنهم يقولوا لك - ضمناً أو صراحةً:

"اللي انتَ فيه غلط، اللي أنا فيه صح. بطّل تبقى زيّ مانتَ، وابقى زيي."

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More